تم النشر في الأربعاء, 4 سبتمبر 2013 , 01:01 مساءً .. في الأقسام : أسرة , أهم الأخبار
دخل تامر إلى حجرته مباشرة، ودخلت فاطمة خلفه تبلغه أن طعام الغذاء جاهز.. أشار إليها بيده لتبتعد عنه.. حاولت أن تجذبه للحديث دون جدوى، حتى تلك المداعبات التي كان لها مفعول السحر رفضها بحسم! وطلب منها أن تخرج وتغلق خلفها باب الحجرته!
جلست فاطمة وحيدة داخل حجرتها.. حائرة ماذا حدث لتامر الذي خرج في الصباح وقد طبع قبلة دافئة فوق خديها؟!.. كانت تضرب أخماسا في أسداس.. هل ضايقه أحد رؤسائه أم غضب هو على أحد مرؤوسيه.. كان كثيرا ما يشكو إليها من منصبه المرموق الذي يكشف أمامه حقائق الناس بصفة عامة.. ويخلع عن رؤسائه الأقنعة فيرى كل منهم أمامه وهو شبه عار من القيم والأخلاقيات!..
كم حكى لها عن الفساد الذي يرتع في نفوسهم!.. وكان يشكو مرؤوسيه وما تغلغل من كذب ونفاق ورياء واستغلال لمصالح الناس البسطاء الذين يترددون على مقر عمله بحثا عن حقوقهم الضائعة!
انحصر تفكير فاطمة في نطاق العمل الذي يتولى فيه تامر منصبا قياديا، وعلمته الأيام أنه هو الذي سيدفع ثمن الاقتراب من عش الدبابير أو شن الحرب على محترفي الفساد، لهذا كثيرا ما كان تامر يكتم في نفسه ويبتلع ضيقه وهمومه وأحزانه!..
لم تذهب فاطمة بأفكارها أكثر من أن زوجها خرج عن أعصابه هذا اليوم وواجه مجموعة الفساد فتكاثروا عليه وتكهرب الجو، وربما قدم استقالته!.. وهنا شعرت فاطمة ببعض الاطمئنان وهمست لنفسها: “.. وايه يعني.. يستقيل.. يرتاح هو وارتاح معاه.. ياما عرضوا عليه السفر للخارج بمرتب خيالي وهو الذي كان يرفض مؤكدا أنه يحب مصر أكثر من أي مكان آخر وأنه لو خرج منها سيكون كالسمك الذي أخرجوه من الماء!”.
نهضت فاطمة من مكانها.. ارتاحت أعصابها بعد أن تقبلت فكرة الاستقالة والرحيل عن مصر والفوز بمرتب كبير ينقلهم من حال إلى حال.. لكن كل هذه الأفكار تبخرت وتبددت بينما كانت تسمع كلمات غير مفهومة بصوت تامر.. اقتربت من حجرته.. تنصتت لتفهم ما تسمعه.. لكن الغريب أن تامر كان يردد أكثر من مرة: :.. بيتي.. بيتي.. أنا ماعنديش أهم من بيتي!”.
المشكلة إذن لا علاقة لها بالعمل.. ضربت فاطمة كفا بكف.. كان غريبا أن يتحدث تامر عن بيته بهذه الطريقة ودون أن تكون هناك أية مشكلة، بل كان الناس يحسدونهما على السعادة التي ترفرف على هذا البيت منذ ليلة زفاف تامر وفاطمة!
حاولت الزوجة الحائرة أن تفتح الباب ففوجئت به مغلق من الداخل.. نادت على تامر فحذرها أن تضايقه أو تقترب من الباب مرة أخرى.. انهمرت دموعها.. لأول مرة منذ تسع سنوات يعلو صوت تامر عليها، وينهرها، ويجرح مشاعرها.. ارتمت فوق أحد المقاعد.. اتصلت بوالدتها ثم أختها الكبرى ثم صديقة عمرها، لكن إجاباتهم لم تخرج عن نصيحة واحدة:
اتركيه وسوف تهدأ أعصابه ويحدثك من تلقاء نفسه!
الوقت يمضي.. وأعصاب فاطمة تحترق.. والهواجس تأخذها يمينا ويسارا كأنها تلهو بها!.. لكن فاطمة تشيط غضبا بعد أن هجرت الشمس سماءها.. وحل الليل.. وفرضت الظلمة واقعا جديدا لا تستطيع معه الزوجة المسكينة الانتظار!
ويبدو أن الأزمة انفرجت أخيرا.. أو هكذا تخيلت فاطمة وهي ترى باب حجرة زوجها ينفتح.. خرج تامر مرتديا ترينج أبيض وكوتشى ازدادت معهما وسامته وأناقته.. وبلهجة تلغرافية يبلغ زوجته أنه ذاهب في أمر مهم لن يستغرق أكثر من ساعة زمن يعود بعدها ليبادلها أطراف الحديث!
جلست فاطمة في الشرفة تعد اللحظات والدقائق.. عيناها مصوبتان نحو مدخل الشارع الكبير في قلب مدينة بنها حتى ترى زوجها وهو عائد وتفهم منه لوغاريتمات هذا اليوم العجيب.. لكن تمرساعة.. ساعتان.. خمس ساعات.. ولم يعد تامر!
أبلغت فاطمة أهلها وأهله ونزل الجميع يبحثون عن تامر، لكن كأن الأرض انشقت وابتلعته.. طافوا بالمستشفيات والمشارح وبيوت الأصدقاء والأقارب دون فائدة.. أشرق صباح جديد وجاء الخبر الكئيب!.. بعض الأهالي عثروا على جثة طافية فوق أحد فروع النيل.. لكن الجثة عارية من ملابسها وتعرف على صاحبها شخص من جيران تامر الذي علموا باختفائه!
الزوجة في حالة انهيار تحكي للشرطة وقائع الأمس.. تأتي إشارة جديدة تضيف إلى اللغز غموضا جديدا.. عثر بعض الأشخاص على الملابس التي كان يرتديها تامر وقت مغادرته للبيت ملقاة بجوار الشاطئ!.. ويبدو أن موعد المفاجأة الثالثة قد حان حينما أرسلت إدارة المشرحة دبلة الزواج التي كانت بإصبع تامر لتحريزها في محضر الشرطة.. نظر الضابط إلى الأسماء المحفورة داخل الدبلة ثم راح يكمل محضره ويكتب:
وبداخل الدبلة اسم محفور.. شادية!
هنا.. صرخت فاطمة وصاحت بأعلى صوتها.. من تكون شادية هذه؟!! أنا زوجته واسمي فاطمة.. لا يمكن أن تكون هذه دبلة زواجي من تامر!.. لكن الضابط ومندوب المشرحة راحا يؤكدان لها أن المشرحة ليست بها سوى جثة تامر وأن التحقيق يتطلب استبعاد العواطف مؤقتا حتى تتمكن المباحث من كشف غموض الحادث!
المفاجأة الأخيرة كانت في أقوال حسين ابن عم تامر الذي قال في سطور المحضر:
لا استطيع كتمان السر الذي طلب مني تامر عدم الإفصاح عنه مهما كانت الأسباب.. الآن وقد مات أقول لكم أنه أبلغني قبل اختفائه بيوم واحد بأنه تزوج منذ أسبوع، ولما سألته عن زوجته الجديدة وظروف هذا الزواج المفاجئ طلب مني أن أنتظر عدة أيام حتى يخلو بي ويحكي لي القصة من الألف إلى الياء.. لكنه مات بعد ساعات!
تمر الأيام بسرعة.. ولا جديد رغم الجهود الجبارة التي بذلتها المباحث للإمساك ولو بخيط واحد يقودهم إلى الحقيقة وكشف الجريمة.. من الذي قتل تامر؟! وسرق هاتفه المحمول؟!.. ولماذا جرده من ملابسه وترك الدبلة في اصبعه!
الشرطة في النهاية أغلقت المحضر والنيابة حفظته.. لكن فاطمة أعلنت أمام الجميع انها لن يهدأ لها بال حتى تعثر على شادية التي كانت سببا في اختفاء تامر إلى الأبد!.. وظلت فاطمة تمشي بملابس الحداد في القرى والمدن والمحافظات تسأل كل امرأة تقابلها:
انت اسمك شادية؟!
وفجأة.. لم يجد أهلها سوى وضعها تحت حراسة شديدة بعد أن حاولت الانتحار أكثر من مرة!
المشاركات والتعليقات المنشورة بأسماء مستعارة لاتمثل الرأي الرسمي لصحيفتنا ( المواطن اليوم ) بل تمثل وجهة نظر كاتبها
اترك تعليق على الخبرالمواطن اليوم اطلع صاحب السمو الملكي الأمير سعود بن طلال بن بدر محافظ الأحساء ، بمكتب سموّه بمقر المحافظة ، […]
بقلم :
بقلم :
بقلم :
بقلم :
بقلم :
بقلم :
بقلم :
بقلم :
بقلم :
بقلم :
بقلم :
بقلم :
بقلم :
بقلم :
بقلم :
س | د | ن | ث | أرب | خ | ج |
---|---|---|---|---|---|---|
1 | ||||||
2 | 3 | 4 | 5 | 6 | 7 | 8 |
9 | 10 | 11 | 12 | 13 | 14 | 15 |
16 | 17 | 18 | 19 | 20 | 21 | 22 |
23 | 24 | 25 | 26 | 27 | 28 | 29 |
30 |
اترك تعليقاً