تم النشر في الخميس, 22 أغسطس 2013 , 08:16 صباحًا .. في الأقسام : أهم الأخبار , الآراء والصور
عبدالله المغلوث
قبل عدة سنوات اصطحبني والدي في مناسبة لأحد الجيران. وبعد أن انتهت المناسبة قام أحد المدعوين الكبار في السن بتوبيخ المضيف على مسمعي، في حديقة المنزل بالقرب من باب الخروج. انتقده لأنه فوّض سائقه لتقديم القهوة والشاي للضيوف. قال له: ”أين ابنك صالح؟ عيب أن يكون لديك ابن يبلغ 15 عاما وتدع عاملا يقوم بهذه المهمة بدلا عنه؟ إنك تدلل ابنك وتقتل رجولته. سيكون وصمة عار في جبين أسرته عندما يكبر، وإذا كان ابنك لا يستطيع أن يحمل الدلة احملها أنت ولا تدع العامل يقوم بدور المضيف”.
رغم أنني كنت صغيرا، وقتئذ، إلا أنني شعرت بمدى الألم، الذي ينتاب أبا صالح حينها كأن أحدا سكب ماء باردا على وجهه. تغيرت ملامحه، وبدلا من أن يودع الضيوف كان يرحب بهم، ولسان حاله، آنذاك، يقول: متى سيذهب بقية الضيوف إلى منازلهم.
مرت السنوات، وذهبت هذا العيد إلى زيارة جارنا الكبير في السن، الذي سبق ووبخ أبا صالح. كان سائق المنزل في استقبال الضيوف بالقهوة والشيكولاتة. بينما كان أبناء الجار ينتشرون في أرجاء المجلس يوزعون الابتسامات على أصدقائهم في ”الواتساب”، و”تويتر”، محدقين عيونهم في الشاشات الصغيرة، متناسين ضيوفهم الذين نهبهم الضجر. وبعد أن ودعنا السائق بالطيب والبخور استرجعت على مسامع أبي ما شهدته أمام عيني قبل سنوات، وذلك حينما انتقد صاحب المنزل، الذي غادرناه، مضيفه لأنه أوكل مهمة تقديم الشاي والقهوة لسائقه، بينما اليوم يقوم هو بالخطأ نفسه الذي نهى عنه.
وكأن أبي الأسود كان يقرأ هذه الحادثة عندما كتب بيته الشهير:
لا تنه عن خلقٍ وتأتي مثله *** عارٌ عليك إذا فعلت عظيم
واللافت في الموضوع أن صالح الذي كان يتنبأ له جارنا كبير السن بمستقبل مظلم يعيش حاليا أحلامه. فهو يعمل في شركة رائدة في البتروكيماويات، ويشترك مع صديق له في مشروع تجاري ناجح وواعد، ناهيك عن أخلاقه الرفيعة وتميزه على الأصعدة كافة.
أحيانا تستفزنا بعض المشاهد في بيوت أقارب وأحبة وجيران وأصدقاء. لكن من الأحرى أن نتريث قبل أن نشرع في حفلة وعظ ونصح.
يود معظم الآباء أن يروا أبناءهم في أفضل حال وأن يمثلوهم خير تمثيل. لكن الأبناء يتفاوتون من شخص لآخر.
ولنتذكر قوله سبحانه وتعالى: ”إنك لا تهدي من أحببت ولكن الله يهدي من يشاء”. إن مرحلة المراهقة مرحلة صعبة وعسيرة. تتطلب إمكانات وقدرات وتضحيات هائلة من الأبوين لتجاوزها بأقل عدد من الخسائر. فالكثير من النصائح والتوجيهات من البعيدين والقريبين لا تسهم في إيجاد حلول بل تستفز الآباء وتجعلهم في أحايين عدة يقسون على فلذات أكبادهم ونحن السبب.
إن أبناءنا كالوجبة الدسمة تتطلب الكثير من الوقت والصبر حتى تنضج وتثير إعجابنا.
أكثر ما يزعجني هو تبذير البعض في توزيع النصائح على الآخرين. إن أكثر شيء نحتاج إليه هو أن نتقشف مع بعضنا في توجيه الإرشادات والنصائح الشخصية بخصوص تربية الأبناء، فكل حالة تختلف عن الأخرى.
ينبغي أن نعلم أيضا أن الكلمات القاسية التي نقترفها في حق أبناء الغير، قد تجرحهم وتظل محفورة في ذاكرتهم طويلا دون أن نعي ذلك ونستوعبه.
ربما ينجح أبناء من انتقدنا تربيتهم نجاحا كبيرا ويخفق أبناؤنا كما حدث مع أبي صالح، ووقتها سنندم كثيرا.
سيكبر أبناؤنا وأحبتنا وسينجحون في حياتهم، بمشيئة الله. لكن لن ننسى الكلمات التي صدرت من الآخرين في حقهم.
علينا أن ندرك أن انتقادنا حجر، ومشاعر الآخرين زجاج. وعندما يتهشم الزجاج من المستحيل إعادته كما كان. فمن الحكمة أن نتروى قبل أن يندلع انتقادنا.
عن الاقتصاديه
المشاركات والتعليقات المنشورة بأسماء مستعارة لاتمثل الرأي الرسمي لصحيفتنا ( المواطن اليوم ) بل تمثل وجهة نظر كاتبها
اترك تعليقاً