تم النشر في الجمعة, 2 أغسطس 2013 , 05:57 صباحًا .. في الأقسام : آراء , أهم الأخبار

الريال و«هاشتاق» الراتب

عبدالله بن ربيعان

 

 

 

 

 

 

 

عبدالله بن ربيعان

خبران كانا الأكثر تداولاً في الوسطين الاقتصادي والشعبي في السعودية خلال الأيام الماضية. الأول هو ما نشرته إحدى الصحف، ونفته مؤسسة النقد فيما بعد، عن سحب الريال الورقي واستبداله بالريال المعدني. والخبر الثاني، والأهم، هو وسم (هاشتاق) الراتب – ما يكفي – الحاجة، الذي أطلقه ناشطون في «تويتر»، ليجاوز الحدود والآفاق خلال ساعات، وينتقل من «تويتر» ليكون العنوان الأبرز لمقالات الكتاب، والخبر الأول في الصحف والتلفزيونات والمواقع الإخبارية سعودياً وعربياً.
فيما يخص الموضوع الأول، انقسم الناس (قبل نفي المؤسسة) إلى مرحب بالريال المعدني ومعارض له. وكان كلا الرأيين يمايز بين حمل الريال الورقي والمعدني، ولم يتطرق أحد إلى لب القضية، وهو كم يشتري الريال حينما تخرجه من المحفظة؟ فالريال لا يهم كونه ورقاً أو معدناً. والمتابع لحال الريال خلال الأعوام الماضية يرى بوضوح أن قيمته تضعف تبعاً لضعف الدولار الذي يرتبط به الريال بسعر صرف ثابت منذ ثلث قرن. وفي هذا الصدد لا يمكن قبول ما أوردته صحيفة «الاقتصادية» هذا الأسبوع عن فقد ريال اليوم 43 في المئة من قيمته مقارنة بريال 1989.
والأكيد أن الريال اليوم فقد ما لا يقل عن 60 في المئة من قيمته مقارنة بـ1989. فالدراسات الاقتصادية الموثوقة تثبت خسارة الدولار 42 في المئة من قيمته خلال الفترة من 2002 إلى اليوم. ولأن الريال يرتبط بالدولار، فإنه خسر النسبة نفسها خلال المدة نفسها، وإذا ما أضفنا إليها نسبة التضخم الطبيعي (حوالى 2 في المئة سنوياً) للمدة بين 1989 إلى 2001، فسنصل بالتأكيد إلى انخفاض يصل إلى 60 في المئة خلال الفترة 1989-2013. وبناءً على هذا السبب، يميل كاتب هذه السطور إلى سك الريال من المعدن، لأن قيمة الريال الحقيقية لا تساوي فعلاً أكثر من 40 هللة مقارنة بعام 1989، و58 هللة مقارنة بقيمته في 2002، وفي كلا الحالين هو أقرب للأقل منه في الرتبة، وهو نصف الريال (الذي يُسك من المعدن)، أكثر من قربه لما يعلوه في الرتبة، وهي الخمسة ريالات (وتتداول ورقياً)، هذا أولاً.
ثانياً، فيما يخص وسم (هاشتاق) الراتب – ما يكفي – الحاجة، وهو مرتبط بسابقه. فمع ضعف الريال، وضعف الرواتب في السعودية مقارنة بجيرانها في الخليج، فإن زيادة الرواتب أصبحت ضرورة. وهذا الوسم لا يوجد من يعارضه سوى ثلة من الكتاب الذين يمكن تسميتهم بالمثاليين. فبعضهم يطالب بإنشاء جمعيات تعاونية، وبعضهم ينتقد سلوكيات الصرف عند المواطن، ويطالب بقبض اليد. وهذا الكلام النظري مقبول لو كان الغلاء يقتصر على الكماليات، أما وأن الغلاء طال الرز والسكر وحليب الأطفال والسكن ووسائل النقل، فلا يمكن قبول نصائح من لا يشعر بقرصة الأسعار نتيجة لارتفاع دخله.
المبرر الآخر الذي يسوقه بعض الإعلاميين والكتاب هو أن أي زيادة في الرواتب سيستغلها التجار لرفع الأسعار بالنسبة نفسها، مستدلين بما حصل في 2007. وهذا المبرر غير حقيقي، فالسوق وخصوصاً في مجال الضروريات، سوق حرة ومفتوحة للمنافسة، ويستطيع امرؤ أياً كان أن يستورد الهيل والقهوة والرز وحليب الأطفال وغيرها من الضروريات. وبالتالي فلا يمكن لتاجر أن يستغل الوضع ويرفع أسعار هذه المواد. وسيقتصر الارتفاع – إن حصل – على السلع والمواد التي يحتكرها تاجر واحد أو قلة من التجار. وعلى احتمال حدوث بعض الارتفاع، إلا أن نسبة الزيادة في الرواتب يجب أن تكون جيدة لتلافي مثل هذه السلبية، لأن إبقاء الرواتب على وضعها الحالي لم يعد مقبولاً بأية حال. وعموماً، يجب أن لا ينظر إلى 2007 كمقياس، فهو العام الذي شهدت أسعار الغذاء في كل العالم ارتفاعات كبيرة، وكانت الزيادة في رواتب السعوديين في ذلك العام 15 في المئة فقط، وهي نسبة ضاعت من دون فائدة بسبب ارتفاع أسعار الغذاء عالمياً. المبرر الأكثر منطقية، هو الذي يشهره مسؤولو الاقتصاد في البلد دائماً في وجه أي مطالبة برفع الرواتب، هو أن الاقتصاد السعودي يعتمد على عوائد النفط، ولا يمكن توقع أن النفط سيستمر مرتفعاً عند 100 دولار دائماً. وهذا مبرر منطقي، إلا أن نسبة التخوف فيه غير مبررة.
فالموازنة السعودية تبنى على أساس أن سعر البرميل 60 دولاراً، ولهذا حققت خلال الأعوام الثمانية الماضية فوائض تربو على 1.5 تريليون ريال. واحتمالية انخفاض أسعار النفط دون 60 دولاراً أمر بعيد جداً، فدول العالم الكبرى التي تطلب النفط للتو تعافت من أزمتها المالية، ما يعني مزيداً من الطلب على النفط. كما أن شهية الصين والهند في قمتها، والمحرك الياباني عاد إلى العمل تدريجياً مع خطة التيسير الكمي الأخيرة. وبالتالي فلا خوف من انخفاض النفط لأقل من 60 دولاراً. إضافة إلى أن استخدام الفوائض المتراكمة عبر الأعوام الماضية سيكون عاملاً قوياً لامتصاص صدمة زيادة الإنفاق برفع الرواتب بحيث لا تؤثر في موازنة السنة التي صرفت فيها.
ختاماً، رفع الرواتب بنسب جيدة أصبح ضرورة تمليها ظروف الغلاء، وكل كلام يقال عن جمعيات تعاونية، وقضاء على الفساد، وحل لمشكلتي السكن والبطالة، وهو ما يؤدي ضمنياً إلى زيادة الدخول، مرحب به، ولكنه يجب أن لا يستغل لوقف رفع الرواتب، فالأخير أمر لم يعد يقبل مزيداً من التأجيل، وكل إصلاح يعقبه فعلى الرحب والسعة.

* أكاديمي سعودي متخصص في الاقتصاد والمالية.

عن الحياه

المشاركات والتعليقات المنشورة بأسماء مستعارة لاتمثل الرأي الرسمي لصحيفتنا ( المواطن اليوم ) بل تمثل وجهة نظر كاتبها

اترك تعليق على الخبر

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Comment moderation is enabled. Your comment may take some time to appear.

اقتصاد

سمو محافظ الأحساء يستقبل رئيس الهيئة السعودية للمقاولين

متابعة المواطن اليوم استقبل صاحب السمو الملكي الأمير سعود بن طلال بن بدر محافظ الأحساء بمكتب سموّه بمقر المحافظة اليوم […]

  • أبريل 2024
    س د ن ث أرب خ ج
     12345
    6789101112
    13141516171819
    20212223242526
    27282930  
  • Flag Counter
  • Social Media Auto Publish Powered By : XYZScripts.com