عرض خالد بعد أول أسبوع له في العمل إلى أزمة نفسية حادة. اكتشف أن نوارة فأله وضوء حياته أمه الحبيبة مصابة بالسرطان. فقد بريقه وتراجع أداؤه وانطفأت ابتسامته. شعر مديره ومالك الشركة بأن موظفه الجديد يعاني خطبا ما. لديه مشكلة وتحتاج إلى تدخل سريع. لم يتردد. اتجه إليه وقال له جملة مختصرة: “لن أسألك ما بك. أدرك أن أمورك ليست على ما يرام. سأمنحك إجازة لأسبوعين من خارج رصيد إجازتك حتى تتجاوز ظروفك الراهنة وتعود لنا مشرقا”. استغرب خالد سخاء مديره معه كونه لا يعرفه حق المعرفة. تساءل بينه وبين نفسه، كيف منحه هذا المدير كل هذا الدعم والثقة قبل أن يختبره ويعرف حجم جديته وانضباطه. أسبوع واحد لا يعكس واقع المرء والتزامه. تصرف المدير جاء بلسما على قلب خالد المثخن بالحزن. لقد كان في أشد الحاجة إلى ربتة كتف حانية في هذا الوقت العصيب. عاد خالد بعد أسبوعين إلى العمل بعد أن فاق من الصدمة وآزر والدته في أحلك ظرف مر عليها، وشرعت في العلاج مما أصابها. بذل في العمل مجهودا مضاعفا ليثبت جدارته بتشجيع مديره ويعبر عن امتنانه لموقفه الشهم والنبيل.
استمر خالد في هذه الشركة أكثر من 30 عاما. استرجع أمامي هذه الحادثة في رحلة بالطائرة جمعتنا من الرياض إلى جدة. يستذكر ما جرى كأنه حدث بالأمس. أكد لي أن فروسية مديره وموقفه الإيجابي المبكر جعله يؤسس علاقة طويلة الأمد معه ومع شركته. تألق خالد في العمل وتدرج وظيفيا حتى أصبح مديرا للشركة اليوم وشريكا فيها وأسهم في جني الشركة للملايين من الريالات، والعديد من المشاريع الكبرى. بدأ كل هذا بأسبوعين منحهما له مديره بسخاء ونقاء.
التعامل برفق مع الموظفين يحقق نتائج عظيمة لا تخطر على بال أحد. يا أيها المديرون تذكروا أن نجاحكم يتدفق من عطاء موظفيكم، فإذا أحسنتم إليهم أحسنوا إليكم أكثر. فلا تضيقوا الخناق عليهم وامنحوهم مساحات إضافية وافتحوا لهم نوافذ جديدة. أكرموهم بابتسامتكم وحسن ظنكم وسيكرمونكم بعطاء لا مثيل له وإنجازات لا سقف لها. والأهم من ذلك دعوات ترافقكم وأنتم لا تعلمون. يقول لي خالد: “منذ أكثر من 30 سنة وأمي تدعو له. فهو يشاركني وإخوتي دعواتها كل يوم”.
اترك تعليقاً